شام تايمز- علياء خلف
يكاد لا يخلو بيت في دير الزور من الصور فوقه، أو على طرفيه.. تلك الأيقونة الرائعة التي تتميز بها دير الزور كرمز لها، فعندما تذكرها حتماً تذكر الجسر المعلق.
ذلك الجسر الذي يحتضن ذكريات لكل أهالي المنطقة بحلوها ومرّها، وليس لهم فقط بل للسوريين عامة، كما الحال بالنسبة للجامع الأموي ولقلعة حلب ولقلعة الحصن وغيرها من الأيقونات الجميلة التي تتميز بها سورية.
الجسر المعلق تغزل به الكثير من الشعراء وغنى له الكثير من الفنانين، وهو يعتبر متنفساً لأهالي الدير وغيرهم ممن يزور المدينة بقصد السياحة.
تاريخياً أنشأت فرنسا الجسر المعلق بإشراف مهندس فرنسي يدعى مسيو فيفو سنة 1925 ارتفاعه 36 متراً، ويبلغ عرضه حوالي 4,5أمتار، وطوله 476 متراً ويرتكز على أربعة قواعد ويستند عليها أربع ركائز كل ركيزة بطول 25 متراً حيث لم يماثله جسر في العالم سوى جسر جنوب فرنسا.
زادت سنوات بنائه عن ستة أعوام، مات عدد من أبناء المدينة خلالها وهناك من سقط ضمن الكتل الخرسانية التي تحمل الجسر أثناء سكب الإسمنت فيها ولاتزال جثثهم داخلها حتى اليوم أي بنوه بدمائهم.
كانت السيارات تمر عليه حتى عام 1980 تاريخ بناء جسر السياسية شرقه، وكان مرور السيارات فوقه منظم عبر استخدام الهاتف بين عاملين يقبع كل منهما في طرف من طرفي الجسر ليخبر أحدهما الآخر بمرور سيارة من جهته الى الجهة الأخرى، فيمنع العامل الثاني مرور السيارات لحين وصول السيارة التي فوق الجسر.
أنير الجسر المعلق بالكهرباء سنة 1947وأنيرت معه دير الزور ليضفي على طبيعة الدير جمالا آخراً.
يروي “علي أبو حسين ” أحد أهالي الدّير ممن يحمل له الجسر المعلّق ذكريات جميلة خالطها الحزن لـ شام تايمز “في يوم زفافي طلبت مني خطيبتي طلب اعتبرته غريب متابعاً باللهجة الدّيريّة ” علي أريد طلب منك طلب قلت لها تدللي شنو تريدين، قالت بس يخلص العرس أريد أروح أني وياك نتمشى عالجسر المعلق وأنا بثوب العرس، قلتلها أبشري أبشري ألف طلب متل هالطّلب، وبالفعل بعد ما خلصت حفلة العرس أخذنا سيارة العرس ورحنا تمشينا وتصورنا ووقفنا بنفس المكان اللي تعرفنا أول مرة على بعض”.
يكمل علي حديثه مع تنهيدة طويلة “كانت تعتبر الجسر رمزاً لحبنا، وتدعو أن يبقى هذا الحب قوياً بقوة الجسر”.
“الله يرحمها” يتابع بغصة حيث فقد زوجته أثناء ولادتها لأحد أطفاله، فيقول “كنت لما يضيق صدري واشتاق لزوجتي أروح عالجسر المعلق أتذكر شنو حكينا وين مشينا وشنو كنا نخطط لحياتنا ” ، أكمل حديثه ودموعه تملأ عينيه ليكون أبو حسين نموذجاً لآلاف القصص الحزينة والمفرحة التي نسجت بين طرفي الجسر المعلق .
أحمد أيضا له حكاية بين حنايا الجسر وهو فلاح من القرية المقابلة للطرف التاني للجسر فيقول لشام تايمز “راحت أيام البركة من الدير من لما راح الجسر “.
يصمت لبرهة ثم يتابع حديثه بحرقة ” كنا مجموعة شباب جمعتنا ذكريات جميلة فوق الجسر وعلى أطرافه، حيث كنا نلعب لعبة رهان مين سيحقق أعلى قفزة من أعلى مكان بالجسر باتجاه النهر فنطلع احنا والشباب عالجسر و نبلش واحد ورا الثاني ونحط واحد من الشباب حكم علينا تانشوف مين راح تكون قفزتو أعلى شي، واللي يفوز “ضاحكاً” يغدي الشباب كباب على حسابه”.
ويتابع حديثه “الشباب راحوا كل واحد بديرة مثل ما راح الجسر”.
تستمر الحياة رغم كل ما يمر بها من أحزان وأفراح، هناك الكثير من القصص التي نقشت بحلوها ومرّها على إسفلت الجسر لتبقى ذكريات يتمنى الكثير من أهلها أن تعود ليعيشوها مرة أخرى مهما كانت مرارتها.
انهار الجسر بسبب الأزمة التي أصابت البلد حيث استهدفه الإرهاب قاطعاً شرايين الحياة التي تربط شرق الدير بغربها.
خسرنا أيقونتنا الجميلة الجسر المعلق ولكننا لم نخسر صمودنا الذي بقي شامخاً وصمدت ذكريات الجسر تدور في ذاكرة كل أبناء البلد.