بقلم: فؤاد مسعد
ذاب الثلج وظهر المرج.. مثلٌ يعكس حال تلقي الجمهور للأعمال الدرامية السورية التي عرضت خلال الشهر الفضيل ومدى تقاطعها مع التصريحات والتسريبات التي سبقت آلة العرض أو رافقتها، هي جدلية تنوس بين قطبين متباعدين هما الواقع والمأمول، أي واقع حال العمل حقيقة عندما يُعرض، وما كان مأمولاً منه اعتماداً على ما حاول بعض صنّاع الأعمال الدرامية تسويقه عبر المغالاة فيما أطلقوا من تصريحات لترويج إنتاجاتهم خلال فترة التصوير محققين بذلك رؤيا استباقية لشد الجمهور، حتى أن منهم من لجأ إلى إحاطة عمله أثناء التصوير بهالة من الغموض والسرية الأمر الذي يُعتبر بحد ذاته دعاية وترويجاً، وإن كان أحد أهم شروط تسويق العمل الحملة الإعلامية والإعلانية له إلا أن هناك من وقع في مطباتها وفخاخها.
يبقى ما بني على صخر راسخاً في وجه العواصف وما بني على رمل تنال منه الرياح بسهولة، والمفارقة أنه من أكثر العبارات التي تحوّلت إلى مطية لصنّاع الدراما تلك المتعلقة بالمختلف والجديد والجريء والأكثر تكلفة إضافة إلى استقطاب النجوم، ولكن ما يتجاهله البعض أن المشاهد اليوم يجري محاكمة عقلية في ذهنه لما يرى فهو لا يرضى أن يكون ضحية لعبارات طنانة يطلقها المنتجون كيفما اتفق، وإنما أصبح يفرّق وبشكل واضح بين الغث والسمين، وفي النهاية المسلسل الجيد يثبت مكانته على الساحة بجودته ومستواه.
وانطلاقاً من مبدأ أن العبرة تكمن في النتائج استطاع العديد من الأعمال في الموسم الدرامي الأخير الغوص إلى عمق الواقع والنبش في تفاصيله وإعادة صياغة ما التقطت منه لتقديمه بإطار فني شيق وجاذب، في حين تراجعت أعمال أخرى كان يتوقع أصحابها وفقاً لتصريحاتهم أن (تكتسح الساحة) ولكنها لم تكتسح شيئاً وإنما مرت دون أن تترك أدنى أثر لها رغم ما تضمنته من بهارات وتوابل.
لا بد أن نعي وسط زحمة التصريحات أن الدراما السورية استطاعت بشكل أو بآخر أن تخطو خطوة أخرى نحو الأمام مما يستدعي وقفة حقيقية على أكثر من صعيد لدعمها قولاً وفعلاً، سعياً لمعالجة ما تعانيه من أمراض مستشرية في جسدها أصلاً من شللية وتحكّم مفاهيم السوق بالعملية الإبداعية وما فرضه ذلك من أعراف وتقاليد إنتاجية وتسويقية، وصولاً إلى وضع كافة القضايا على طاولة البحث والنقاش لمعالجتها والخروج بصناعة درامية راسخة تحمل سمة الاستمرارية بزخم أكبر وأعمق وتأصيل عودتها لتأخذ مكانتها من جديد على ساحة الإنتاج الدرامي العربي.