بقلم: فؤاد مسعد
لماذا يُقدم فنان أفضل ما لديه في مسلسل ويظهر عادياً جداً في مسلسل آخر؟ ولماذا يحب الجمهور أداءه في عمل فيرونه مبدعاً خلّاقاً بينما ينفرون مما يقدم في عمل ثانٍ ويجدونه مصطنعاً وثقيل الظل؟ ما السر الذي يجعله متألقاً هنا وعديم البصمة هناك على الرغم مما يحمله الدور من إمكانية التحليق به إلى أفق أبعد وأوسع؟.
هي تساؤلات تحتمل أكثر من إجابة، فهناك موهبة الممثل ومهارته وقدرته على توظيف أدواته التعبيرية ضمن الدور، إضافة إلى الجو العام للعمل وإلى أي مدى يحقق حالة صحية يمكن أن ينتج عنها عمل هام، كما أن هناك حجر زاوية لا يمكن إغفاله يتمثل بالورق الذي يستفز الممثل والدور المكتوب بطريقة جاذبة، ولكن تبقى الإجابة الأساسية عن تلك التساؤلات كلها مرتبطة بشكل وثيق بشخصية المخرج قائد العمل تحديداً الذي يتكئ فيما يُقدم على نص محبوك بشكل مُحكم وشيق، فله الدور الرئيسي في كيفية إظهار الفنان على الشاشة، وبالتالي إما أن يكون مخرجاً عديم الموهبة ومحدود الأفق ما يعني أنه مجرد منفذ للورق الذي بين يديه دون أية عملية خلق إبداعي، أو يتبنى النص ويعيد إنتاجه بصرياً بكل ما تحمل الكلمة من أبعاد ومسؤولية بما في ذلك القدرة على تحريض الفنان الذي يقف أمام كاميرته ونبش مكنوناته العميقة فيرى فيه ما لم يره مخرجون آخرون ويحفز تلك المساحات الإبداعية المخبأة لديه مطلقاً لها العنان ليقدم الفنان دوره بإحساس عالٍ ومصداقية وقدرة على التأثير والإقناع، ويظهر على الشاشة بإطار لم يسبق أن رآه فيه أحد.
ولدى الحديث عن الموسم الدرامي الأخير نلمس سعي العديد من المخرجين للشغل وفق هذه الآلية، ولكن قلة هم الذين استطاعوا الوصول إلى التوظيف الأمثل لطاقات الممثلين وإخراج ذلك المارد من داخل كل منهم، وبدا ذلك واضحاً في عدد محدد من الأعمال وترجم من خلال مجموعة ممثلين بمن فيهم النجوم الكبار الذين ظهروا بإطار مختلف وجديد، ولعل من أبرز المخرجين الذي اشتغلوا وفق هذه الآلية المخرجة “رشا شربتجي” وكانت النتائج واضحة على صعيد الأداء التمثيلي، وهنا نستذكر على سبيل المثال كيف ظهر الممثلون ضمن أعمال حملت توقيع المخرج الراحل “حاتم علي” مثل (التغريبة الفلسطينية، الفصول الأربعة، صلاح الدين الأيوبي، صقر قريش) وغيرها، الأمر الذي يعكس في النتيجة ضرورة أن يولي المخرج اهتماماً كبيراً لممثليه في العمل بغض النظر عن حجم الدور لأنهم الحصان الرابح الذي يحمل أفكار المسلسل برمته إلى المشاهد.