رئيس التحرير: حيدر مصطفى
عَبرت آلام حلب إلى دمشق مرات عدة، وتألمت العاصمة كغيرها من مدن البلاد على خسارة الجزء الأكبر من الركيزة الاقتصادية الأهم، وقاعدة المصانع الكبرى الأكثر متانة، والتي ترك انهيارها أثره الأقسى على الاقتصاد عموماً، وأنهك الصناعة الوطنية على مدى سنوات قبل التحرير من الإرهاب وحصاره عام 2018.
وعلى اعتبار أن إعادة الترميم والبناء تبدأ من تأسيس اللبنة الأولى التي يمكن أن تشكل عامل التماسك مجدداً للصناعة المحلية، اطلق في دمشق معرض “منتجين 2020” كجسر عبور للمشاريع الصغيرة والمتوسطة للانطلاق من الأوساط الصناعية إلى الأوساط التجارية، وفتح الآفاق أمام المنشآت والورشات الناشئة حديثاً بدعم من الدولة، أو التي نهضت من تحت الركام ودعمت أساساتها مجدداً بهمة وصبر وإصرار عالي المسؤولية.
حدث تاريخي:
على بعد عامين ونيف من التحرير الذي مهد الطريق أمام إعادة تعويض الخسائر تدريجياً، بدأت المحاولات الحثيثة بمبادرات محلية وأخرى مدعومة من الدولة وبعض رجال الأعمال والصناعيين، للنهوض مجدداً بالواقع الاقتصادي في حلب، وإعادة تدوير عجلة الانتاج، وأثمرت الجهود عن الاستكمال والبدء مجدداً بنحو 137 منشأة وورشة ومشروع من الحجم الصغير والمتوسط، والتي يمكن أن تشكل رافداً مهماً للاقتصاد الوطني.
واحتضنت تكية دمشق السليمانية التاريخية، المنتجين القادمين من حلب، للتعريف بقصص نجاحهم ومنتجاتهم التي يفترض أن تدخل سوق المنافسة قريباً.
ويقول مدير شركة إلبا للصناعات الغذائية “د.هيثم خليل” لـ “شام تايمز” إن المعرض في دمشق لفتة مهمة، لتعريف الناس والأوساط التجارية بالعاصمة بالمنتجات الجديدة، وفي هذه المشاركة العرض الأول لمنتجاتنا، والتي ستطرح في الأسواق الداخلية مباشرة بعد انتهاء المعرض في السادس من تشرين الثاني، على أمل أن تسوّق أيضاً في الأسواق الخارجية.
دمشق.. جسر العبور:
يركز المشاركون في المعرض على أن تعزيز التوأمة بين الأوساط الصناعية والتجارية ضرورة ملحة في الوقت الحالي، ويرى مؤسس ورشة PEARL المتخصصة بالأعمال اليدوية “هاروثيون نرسيس” أن دمشق منبع التجارة، والتواصل بينها وبين حلب يجب أن يكون أقوى، لتعزيز الرابط الاقتصادي، وتجار الشام مطالبون بمد يد العون لتجار حلب وصناعييها المتضررين، بحسب تصريحه لـ “شام تايمز”.
وتؤكد مديرة المكتب الصحفي في المجموعة العربية للمعارض “مايا القحف” لـ “شام تايمز” أن المعرض يهدف إلى خلق حالة من التشبيك بين المنتجين والصناعيين والأوساط التجارية والصناعية في دمشق، والتي يمكن أن تحقق نتائج إيجابية لتحريك عجلة الاقتصاد ودعم المنتج المحلي وتسويقه.
مساحة خلّاقة:
خلق معرض منتجين 2020 مساحة واسعة لأصحاب المشاريع المنتجة مادياً، ولم يبخل في آن معاً من فرد مساحة لتكريس مشاريع ذات طابع ثقافي فكري، كمشروع Culture Art – فن الثقافة لصاحبه المهندس المدني غارو ميدروس، الذي وصفه بالمركز الثقافي المصغر، ويهدف بشكل أساسي لإيجاد مساحة للطلاب للتعلم، ممن لا مكان مناسب لديهم للدارسة أو المطالعة.
ويروي “ميدروس” 30 عاماً لـ “شام تايمز” قصة مشروعه الذي تعثر طويلاً بسبب جائحة كورونا، وتغلبه على حالة الإحباط التي أصابته خلال الحرب بعدما حصل على دعم لمشروعه، وتمكن من إنجازه بعد سنوات من تخرجه خلال الحرب المأساوية في حلب.
واطلق Culture Art مطلع الصيف الحالي في شهر تموز، ويهدف إلى تعزيز الحالة الثقافية وتكريس تجارب مماثلة في محافظات أخرى، لدعم أولئك الذين لا مكان لديهم للدرس، أو لتسويق لوحاتهم الفنية أو غيرها من الأمور الثقافية المفيدة.
ويعتبر المعرض المستمر لعدة أيام في التكية السليمانية العريقة وسط العاصمة، الأول من نوعه، ويرجح أن يتم استنساخ نماذج منه لدعم المنتجين المحليين، من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في محافظات أخرى، وتبرز مسألة التأكيد على التوأمة الصناعية والتجاربة بين دمشق وحلب، كأحد أبرز المزايا التي ينظم المعرض من أجلها، والتي تضع حداً لمحاولات خلق الحساسيات أو اللعب على وتر تعزيز الثغرات في الاقتصاد الوطني.